ثنائية اللغة وتعدد اللغات: كيف تعزز اللغات بعضها البعض

ثنائية اللغة وتعدد اللغات: كيف تعزز اللغات بعضها البعض

15 أبريل 2022

ثنائية اللغة وتعدد اللغات: كيف تعزز اللغات بعضها البعض

مع انتشار العولمة وانتقال الناس لأداء العديد من الأغراض بما في ذلك العمل والسفر والتعليم، تزايدت أهمية ومزايا التحدث بلغتين أو أكثر بشكل واضح. وفي الماضي، كان هناك اعتقاد بأن تعلم لغة ثانية في وقت مبكر قد يؤخر من اكتساب الطفل للغته الأم أو قد يؤدي إلى تداخل اللغة الثانية مع عملية اكتساب اللغة الأم. ومع ذلك، بات من المسلم به عمومًا، في الوقت الحاضر، أن تعلم لغة ثانية أو أكثر يعزز من النمو المعرفي والاجتماعي والنفسي واللغوي والثقافي لمتعلم اللغة ويساهم كذلك في تطوير مجتمعه الصغير والمجتمع الأكبر.

وأشار ميتشل ومايلز ومارسدن في دراستهم الصادرة عام 2019 إلى أن بعض اللغويين الفطريين يؤكدون بأن البشر قد وهبوا بالفطرة ملكة تعلم اللغات، وهي جهاز اكتساب اللغة المسؤول عن تعلم اللغة والتحدث بها. ويرى هؤلاء اللغويون أن هذه الملكة تحتوي على جوهر اللغة البشرية، أي السمات المشتركة لجميع اللغات أو ما يسمى بالبنية العميقة للغة. وتهدف القواعد اللغوية الشاملة، وهي نظرية للكفاءة اللغوية، إلى وصف معرفة البشر باللغة، أي ما تشترك فيه جميع اللغات البشرية وما يجعلها مختلفة عن بعضها البعض. ويعتقد أنصار هذه النظرية أن القواعد اللغوية الشاملة تتكون من مجموعة من المبادئ (البنية العميقة) التي لا تختلف من لغة إلى أخرى. ويرى بعض هؤلاء اللغويين أيضًا أن متعلمي اللغة الثانية يكون لديهم إمكانية الوصول بشكلٍ كامل إلى جميع العوامل المحددة في اللغة الأم، ويقومون إما بإعادة ضبطها أثناء تعلم اللغة الثانية أو نقلها من اللغة الأم إلى اللغة الثانية.

وفي السياق نفسه، يرى بعض مؤيدي نظرية التعدد اللغوي بأن لدينا إمكانية الوصول إلى ذخيرة لغوية واحدة يمكننا الاعتماد عليها كمصدر عند التعلم والتحدث بلغتين أو أكثر. وبعبارة أخرى، على الرغم من إمكانية حدوث تداخل لغوي لدى متعلمي اللغة الثانية، فإن مزايا معرفة لغتين أو أكثر تفوق أي عيوب محتملة، ويمكن أن تساعد في تعلم المزيد من اللغات. ويرى سينوز وجورتر في دراستهما الصادرة عام 2021 أن نظرية التعدد اللغوي تتعارض مع فكرة "أن الطلاب يمكن أن يصابوا بالارتباك إذا ما تعلموا أكثر من لغة في وقت واحد وأن الأوضاع المثالية تتوفر عندما تعزز المؤسسة المدرسية عملية الفصل بين تعلم اللغات عبر توفير مدرسين مختلفين لكل لغة وتطبيق تدابير صارمة للتمييز بين اللغات عبر تحديد المساحات والأوقات الخاصة بتعلم كل لغة على حدة". وبدلاً من ذلك، يؤكد سينوز وجورتر على أن "اللغات يمكن أن تعزز بعضها البعض، وأن المعرفة اللغوية السابقة ميزة يمكن استخدامها في قاعات الدراسة. ويمكن للأشخاص الذين يتحدثون لغات متعددة أن يكونوا متعلمين ومستخدمين أكثر فاعلية للغة المستهدفة إذا سُمح لهم باستخدام مصادر من مخزونهم اللغوي الكامل. وعند تعلم لغة جديدة، يميل الأشخاص الذين يتحدثون عدة لغات بالفطرة إلى استخدام الموارد المتوفرة لديهم في مخزونهم متعدد اللغات". ويشير سينوز وجورتر أيضًا إلى أن اللغات تُعدُ من الأصدقاء وليست من الأعداء، وبالتالي فهي تُمكِّن متعلم اللغة من تعلم المزيد من اللغات.

وعلى نفس المنوال، يذكر تروتنر في دراسته الصادرة عام 2019 أن تعلم لغة ثانية لا يكون له تأثير سلبي على تعلم اللغة الأم واكتسابها، بل إنه يساعد بالفعل في المرونة الإدراكية لمتعلم اللغة، ويزيد من قدراته على حل المشكلات، ويقوي من مدى الذاكرة والتركيز. وبالإضافة إلى حقيقة أن اللغات يمكن أن تعزز بعضها البعض عندما يتعلم المرء أكثر من لغة واحدة، فإن ثنائية اللغة/ تعدد اللغات يمكن أن تعزز أيضًا مهارات الاتصال، وإمكانية التوظيف، والقدرة على السفر إلى الخارج، والوعي الثقافي والقدرة على التواصل بين الثقافات، واحترام الذات والتعاطف. وإلى جانب فوائد ثنائية اللغة/ تعدد اللغات للأفراد، تساهم هذه الملكة أيضًا في تحصيل مكافآت عائلية ومجتمعية بما في ذلك "تحسين التواصل بين أفراد الأسرة، وتوطيد الروابط العاطفية بين الأشقاء، وتعزيز شعور الأسرة بالهوية الثقافية والانتماء، والحصول على تقدير أفضل للغات والثقافات المختلفة والسفر والعمل في مختلف البلدان والثقافات"، حسبما ذكر موقع الأبوة والأمومة الأسترالي في عام 2021. ومن ثم، تُعدُ ثنائية اللغة وتعدد اللغات في الوقت الحاضر معيارًا عالميًا وليست استثناءً، حسبما أشار الفريق البحثي المكون من يب، وبلومنفيلد، وسيسليكا في دراستهم الصادرة عام 2021. ولهذا السبب، دعونا نشجع أطفالنا وأشقائنا وأقاربنا وأصدقائنا وزملائنا على تعلم لغة ثانية وثالثة بل وأكثر من ذلك. 

المراجع:
Cenoz, J. and Gorter, D. (2021) Pedagogical translanguaging. Cambridge University Press 
Mitchell, R., Myles, F. and Marsden, E. (2019) Second language learning theories. Routledge
The Australian Parenting Website. (2021) Multilingual and bilingual children: Questions and answers. https://raisingchildren.net.au/babies/connecting-communicating/bilingualism-multilingualism/bilingualism 
Trautner, T. (2019) Advantages of a bilingual brain. Michigan State University Extension. https://www.canr.msu.edu/news/advantages_of_a_bilingual_brain 
Yip, M.C.W., Blumenfeld, H.K. and Cieslicka, A.B. (2021) Editorial: Bilingual and Multilingual Spoken-Word Recognition: Empirical and Theoretical Perspectives. Frontiers in Psychology. 12:696354 

يشغل الدكتور أحمد نزاري منصب مدير مركز اللغات التابع لمعهد دراسات الترجمة بكلية العلوم الإنسانية والاجتماعية في جامعة حمد بن خليفة.