هل عززت الجائحة من إمكانية تبني الممارسات الصديقة للبيئة خلال شهر

هل عززت الجائحة من إمكانية تبني الممارسات الصديقة للبيئة خلال شهر رمضان؟

04 مايو 2021

وردة ماموكويا وسبيكة شعبان

هل عززت الجائحة من إمكانية تبني الممارسات الصديقة للبيئة خلال شهر رمضان؟

يُذَّكِرُنا شهر رمضان عادةً بطقوس الصيام التي تستمر لمدة شهر، وتلاوة القرآن الكريم، وصلاة القيام، وهي عبادات فُرضت وسُنت في محاولة لتعزيز انضباطنا الروحي. ورغم أن هناك إجراءات حقيقية تُتخذ لتعزيز إيماننا، فإننا غالبًا ما نجد أنفسنا نعمل بشكل مثير للسخرية بنفس القدر من الجدية لتقليل الانضباط الروحي الذي نسعى جاهدين لتحقيقه.

تحويل تركيزنا

ومن بين الأغراض المميزة للامتناع عن تناول الطعام والشراب تحويل تركيز أذهاننا من تلبية الرغبات الأساسية للجسم إلى تجديد قدراتنا الروحية. ونحن نفقد الفرص المهمة لتحقيق النمو الروحي والتطور الشخصي عندما نبالغ في التخطيط لإنتاج أشهى وجبات الإفطار والسحور، وربط هذا الشهر بالطعام بشكل أكبر من التغذية الروحية.

وليس من الغريب أن يكون شهر رمضان هو الشهر الذي يُحتمل أن يحدث فيه أكبر هدر للطعام في العام. وقد ورد في الحديث الشريف قول نبينا محمد صلى الله عليه وسلم: "ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه". ومع ذلك، فإن ثلث إجمالي المواد الغذائية التي تُنتج على مستوى العالم تتعرض للهدر، وهو ما يعادل أربعة أضعاف كمية الغذاء اللازمة لإطعام الجياع في العالم بحسب البيانات الصادرة عن موقع ReliefWeb. فكيف يمكن أن ندعي أننا أمة الرسول صلى الله عليه وسلم مع قيام البعض بهدر كميات من الطعام تكفي لإطعام عدد كبير جدًا من الناس بإلقائها في القمامة؟ وكيف يمكننا أن ندرك أن عدد الأشخاص الذين يعانون من نقص التغذية آخذ في الارتفاع في نفس الفضاء العالمي مع زيادة إنتاج الغذاء؟

ولفهم هذا الأمر في سياقه الطبيعي، تلعب الأسر دورًا أساسيًا في تحديد مقدار الهدر الغذائي الناتج عن بلد ما. ووفقًا لتقرير مؤشر نفايات الطعام لعام 2021 الصادر عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة، تشير التقديرات إلى أن الأسر في قطر تهدر 95 كجم من الطعام في المتوسط سنويًا. وتشير الدراسات التي أجرتها مبادرة EcoMENA حول هدر الطعام في قطر إلى أن ما يقرب من نصف الأطعمة التي تُحَّضر خلال شهر رمضان ينتهي بها المطاف في مكبات النفايات، رغم أن توزيع المواد الغذائية على المحتاجين يكون في ذروته خلال شهر رمضان المبارك. ومع ذلك، تبرز دولة قطر باعتبارها من أهم الدول الموقعة على أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة، التي يسعى البند رقم 12.3 منها إلى خفض نصيب الفرد من النفايات الغذائية إلى النصف بحلول عام 2030.

تفعيل العادات الصديقة للبيئة

ومع إعادة ضبط تدابير التباعد الاجتماعي الوقائية للغاية المعمول بها في رمضان للعام الثاني على التوالي، هل يمكن أن يمثل ذلك فرصةً لا تقدر بثمن لإعادة صياغة ارتباطنا بشهر رمضان وتوفيق ميولنا لتبني عادات صديقة للبيئة بشكلٍ أكبر؟ وقد تقلصت الممارسات المعتادة المتمثلة في تناول الطعام في البوفيهات الفخمة بالفنادق والمطاعم بشكل كبير، وأصبحت المشاركات الاجتماعية التي وصلت إلى حدها الأدنى تتناسب بشكل مباشر مع طلبات الطعام الكبيرة التي تستلزمها عادةً، حيث أصبحنا نقضي أوقاتًا أطول في المنزل سواء كأفراد أو عائلات. وخلال العام الحالي فقط، ربما نكون قد حصلنا على المساحة اللازمة للتفكير بوعي فيما نشتريه ونستهلكه ونتجاهله، من أجل تبني هذه الممارسات خلال شهر رمضان المقبل.

ويمكن للأسر تقليل نفاياتها الغذائية وإعادة استخدامها وتدويرها عبر إعداد وجبات بسيطة محلية الصنع؛ واختيار عدم استخدام أدوات المائدة المصنوعة من البلاستيك ذات الاستخدام الواحد في توصيل وجباتنا؛ ومراقبة عاداتنا في شراء مستلزمات البقالة واستهلاكها؛ وإجراء محادثات مع أفراد الأسرة حول ما يعنيه رمضان حقًا وكيف يمكن أن يؤدي التركيز المفرط على الطعام إلى إعاقة قدرتنا على العبادة خلال هذا الشهر المبارك. ويمكننا تنشيط وعينا الغذائي بشكل أكبر من خلال تحميل المنافذ الغذائية مسؤولية هدر الطعام والاستفسار عن كيفية إدارتهم للفائض. فهل تُلقى النفايات الغذائية في مكبات القمامة، وهو ما يؤدي إلى حدوث انبعاثات ملوثة؛ أو تُوزع على المحتاجين لإشباع عدد أكبر من الفقراء في تلك الليلة؟ ويمكننا تعزيز جهود الاستدامة عبر إعادة النظر في العادات البيئية الأخرى وطرح الأسئلة التالية: هل نتخلص من القمامة بشكل مناسب عندما نكون خارج منازلنا؟ هل نتوضأ دون أن نهدر لترات من المياه في مجارينا؟ هل زينة رمضان التي نستخدمها قابلة لإعادة الاستخدام في السنة المقبلة أم أنها ستُلقى في حاويات القمامة مع انتهاء الشهر الفضيل؟

وقد حان الوقت لكي نستوعب أن تعزيز تجربتنا الروحانية خلال شهر رمضان ليس له علاقة تذكر بالطعام نفسه بقدر تعلقه الكبير ببناء الروابط لتوطيد علاقتنا مع الله، وإعادة تقييم تفاعلنا مع الأرض، وبالتالي المشاركة مع المجتمع والنظام البيئي بطرق متوافقة بيئيًا.

وفي البداية، يجب أن نثقف أنفسنا من خلال المبادرات الإقليمية ذات الدوافع البيئية مثل مبادرة EcoMENA المتعلقة ببصمتنا البيئية. ويمكن أيضًا أن نتواصل مع مبادرة "الوهاب" المجتمعية التي تتمثل مهمتها في مكافحة ممارسات هدر الطعام في قطر من خلال برامج توزيع فائض الطعام على الفقراء وتحويله إلى سماد. ويمكننا كذلك التواصل مع منظمة "الاستدامة في قطر" والمنظمات غير الحكومية المشابهة التي تقدم إرشادات عملية حول الممارسات المحلية الصديقة للبيئة. والأهم من ذلك كله، يتعين علينا أن نعيد توثيق روابطنا بالقيم الإسلامية المتأصلة المتمثلة في الاعتدال وفهم مفهوم الخلافة لتجسيد معنى أن يكون المسلم إنسانًا صديقًا للبيئة وهو ما يمهد السبيل إلى نيل مرضاة الله ورحمته؛ أليست هذه هي الرغبة الرئيسية للمسلم في رمضان؟

قال تعالى: "وكلوا واشربوا ولا تسرفوا، إنه لا يحب المسرفين." (الأعراف: 31).  

وردة ماموكويا هي مؤسسة مبادرة "الوهاب"، وهي صديقة لشبكة مجلس المبدعين في جامعة حمد بن خليفة.
سبيكة شعبان هي طالبة في برنامج ماجستير الآداب في الإسلام والشؤون الدولية بكلية الدراسات الإسلامية في جامعة حمد بن خليفة وأخصائي الدوريات والمنشورات الأكاديمية بالكلية.

ملاحظة:
هذا المقال مقدَّم من إدارة الاتصال بجامعة حمد بن خليفة نيابةً عن الكاتب. والآراء الواردة في هذا المقال تعكس وجهة نظر الكاتب، ولا تعكس بالضرورة الموقف الرسمي للجامعة.