دعوى قضائية لنيويورك تايمز حول الاستخدام العادل والذكاء الاصطناعي

الملكية الفكرية والاستخدام العادل في عصر الذكاء الاصطناعي

21 يناير 2024

الدكتورة سوزان كارامانيان، عميدة كلية القانون

رفعت صحيفة "نيويورك تايمز" مؤخرًا دعوى قضائية في محكمة فيدرالية أمريكية ضد شركتيْ (Microsoft) و(OpenAI) اتهمت فيها الشركتيْن باستخدام "الملايين" من مقالات الصحيفة الأصلية من خلال تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي الخاصة بهما (GenAI) دون إذن، وقالت الصحيفة إنّ جميع المقالات المنسوخة كلّفتها كثيرًا، كما أنّها نتاج أعوام وجهود هائلة من العمل الصحفي والاستقصائي.

وتعترض الدعوى القضائية على قيام محرك البحث (Co-Pilot)، المعروف سابقًا ب(Bing Chat)، الخاص بشركة (Microsoft)، وأداة (ChatGPT) التي طورتها شركة (OpenAI)، بنسخ مقالات صحيفة "نيويورك تايمز"، والتي يقع بعضٌ منها في تصنيف المحتوى الذي يتطلب اشتراكًا مدفوعًا، وكذلك قامت هذه الأدوات بنسب معلومات غير صحيحة للصحيفة، أو ما يُشار إليه بظاهرة "الهلوسة" في هذه التقنيات، كما تزعم الدعوى أن الخوارزميات المعمول بها والنماذج اللغوية الكبيرة المستخدمة تم "تدريبها" باستخدام محتوى من صحيفة "نيويورك تايمز".

وكثيرًا ما شهدت السنوات الماضية تعارضًا بين الابتكار التكنولوجي، الذي يتجلى في الرقمنة، وقوانين حقوق الملكية الفكرية، التي تمنح حقوقًا حصرية للمبدعين، ويكفي أن نتذكر في هذا السياق موقع (Napster)، موقع تنزيل الموسيقى الذي جرى إغلاقه، وكذلك النزاعات القانونية المستمرة بين صُناع المحتوى ومنصة (YouTube)، وكما هو الحال في القضايا الأخرى، تسعى الدعوى القضائية التي رفعتها صحيفة "نيويورك تايمز" إلى الحصول على أمر من المحكمة يقضي بتعويض صانع المحتوى الذي تم نسخ أو استخدام عمله، وكذلك الحصول على إنذار يمنع المدّعى عليه من النسخ في المستقبل.

وتزعم الشركتان المُدّعى عليهما أن لهما الحق، بموجب مبدأ "الاستخدام العادل"، المنصوص عليه في المادة (17) من القسم (107) من قانون حقوق النشر في الولايات المتحدة، لاستخدام أي عمل محمي بحقوق الطبع والنشر "لأغراض مثل النقد أو التعليق أو إعداد التقارير الإخبارية، أو التدريس، أو البحث العلمي، أو الدراسات العليا"، ومع ذلك، فإن الاستخدام العادل ليس مطلقًا، وتحكمه مجموعة العوامل القانونية التالية المنصوص عليها أيضًا في القسم (107): "الغرض وطبيعة الاستخدام"، سواء كان تجاريًا أو تعليميًا وغير ربحي، ونوع العمل الذي يتم نسخه، وحجم المحتوى المنسوخ بالنسبة للعمل كاملًا، و"تأثير هذا الاستخدام على السوق المحتملة أو على قيمة العمل المحمي بحقوق الطبع والنشر".

وحتى لو تمكنت صحيفة "نيويورك تايمز" وشركتا (Microsoft) و(OpenAI) من التوصل إلى تسوية، على سبيل المثال، بناءً على منح الصحيفة ترخيصًا مدفوعًا للمدعى عليهما، فقد لا تكون الصحيفة الأخيرة في طابور صُناع المحتوى الذين يسعون إلى ملاحقة هاتين الشركتين قضائيًا، ومع ذلك، قد لا يلجأ بعض صُنّاع المحتوى إلى القضاء بسبب العبء الكبير للدعاوى القانونية، أو بسبب الدعاية التي قد يحظون بها عند استخدام أداة (GenAI) لأعمالهم بشكلٍ ما.

ولكن يمكننا القول إنّ الدعوى القضائية التي رفعتها صحيفة "نيويورك تايمز" تفتح آفاقًا واسعة لمزيدٍ من الوعي والفهم، ليس فقط فيما يتعلق باتهامات النسخ بشكل عام، بل أيضًا من خلال كشفها عن العلاقة بين (Microsoft) و(OpenAI)، وعن تحوّل (OpenAI) من مشروع غير ربحي إلى مشروع تجاري، وعن طبيعة النماذج اللغوية الكبيرة، وتعترف صحيفة "نيويورك تايمز" بمعرفتها المحدودة فيما يخص النماذج اللغوية الكبيرة الحديثة، وإذا انتقلت القضية إلى مرحلة "الاكتشاف" (وهو إجراء قانوني يسبق المحاكمة للحصول على الأدلة)، فقد تحصل على هذه المعلومات، وإذا تم طرح موضوع "الاستخدام العادل" على الطاولة، فلا شك سيتوجب الكشف عن الخوارزميات ومصادر التدريب كاملةً وكذلك نشرها علنًا نظرًا لقيمتها البحثية.

الدكتورة سوزان كارامانيان هي عميد كلية القانون في جامعة حمد بن خليفة.

*جميع الأفكار والآراء الواردة في هذا المقال تعبّر عن مؤلفتها ولا تعكس بالضرورة موقف الجامعة الرسمي.