هل نقترب فعلاً من استخدام طاقة الهيدروجين؟

هل نقترب فعلاً من استخدام طاقة الهيدروجين؟

28 مارس 2021

الدكتور مارسيلو كونتستابيل

هل نقترب فعلاً من استخدام طاقة الهيدروجين؟

تزايدت إمكانيات استخدام الهيدروجين الناتج من مصادر الطاقة المتجددة، التي عادةً ما يشار إليها باسم الهيدروجين الأخضر، أو من الغاز الطبيعي الذي يلتقط ثاني أكسيد الكربون الناتج ويشار إليه باسم الهيدروجين الأزرق، كوقود وناقل للطاقة.

تغير المناخ

في عالم يجب الإبقاء على معدل ارتفاع درجات الحرارة فيه إلى أقل من 1.5 درجة، بات لزامًا علينا تقليل الأثر الكربوني الصادر عن جميع القطاعات بشدة، حتى تلك التي يصعب تشغيلها بالكهرباء. وبفضل خصائصه الفريدة، والمكملة لخصائص الكهرباء، يُعدُ الهيدروجين بديلاً مناسبًا جيدًا لتلك القطاعات، لا سيَّما لتوفير خدمات التدفئة في القطاعات الصناعية والمباني، ونقل البضائع لمسافات طويلة، وبات يُنظر إليه بشكلٍ متزايد على أنه عامل تمكين رئيسي لأنظمة الطاقة منزوعة الكربون تمامًا. وبرز ذلك بوضوح في أحدث توقعات الطاقة العالمية التي نشرتها وكالة الطاقة الدولية وشركة بريتيش بتروليوم، حيث يمثل الهيدروجين الأخضر والأزرق أكثر السيناريوهات طموحًا لما يقرب من 15-20٪ من الطلب العالمي على الطاقة بحلول عام 2050.

ورغم ذلك، لا تزال صناعة الطاقة الهيدروجينية في مهدها، وهناك الكثير من الشكوك حول حجمها وشكلها في المستقبل، ومدى سرعة تطورها، وحتى ما إذا كانت ستتطور على الإطلاق.

وتجدر الإشارة إلى أن طاقة الهيدروجين ليست فكرة جديدة، فقد استحوذت على اهتمامٍ كبيرٍ في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، عندما حظيت رؤية بناء "اقتصاد الهيدروجين" بدعم كبير من الحكومات، قبل أن تتلاشى سريعًا في النصف الثاني من العقد، ويرجع ذلك جزئيًا إلى عدم تحقيق تقدم كبير في نشر الهيدروجين وخلايا الوقود، وانخفاض تكلفة الطاقة المتجددة والبطاريات، وهو ما جعل كهربة نظام الطاقة اقتراحًا أكثر جاذبية.

اتفاق باريس

وفي السنوات التي أعقبت توقيع اتفاق باريس للمناخ، أدت الأهداف الطموحة بشكل متزايد التي وُضِعت للتخفيف من آثار تغير المناخ لإعادة الهيدروجين إلى الصورة. واليوم، وكما قال الدكتور فاتح بيرول، المدير التنفيذي لوكالة الطاقة الدولية، يتمتع الهيدروجين بزخم سياسي وتجاري غير مسبوق. ويطرح عدد السياسات والمشاريع المتزايد بسرعة في جميع أنحاء العالم، والحجم الهائل الذي يمكن أن تصل إليه هذه الصناعة الجديدة، وكيف تتداخل مع الغاز الطبيعي، سؤالاً عما قد تعنيه طاقة الهيدروجين لدولة قطر.

فهل سيتيح الهيدروجين لدولة قطر فرصة اكتساب أسواق جديدة لغازها الطبيعي، مثل نقل البضائع لمسافات طويلة، والاستمرار بشكل عام في الاستفادة منه في عالم منزوع الكربون؟ أم أنها ستفضل مصادر الطاقة المتجددة بدلاً من ذلك، وهو ما يسمح بتخزين ناتجها المتقطع من الطاقة لفترات طويلة واستبدال الغاز الطبيعي المخصص للتدفئة في القطاعات الصناعية والمباني، مما يعجل الوصول إلى ذروة الطلب على الغاز الطبيعي؟

الإجابة الواضحة على هذه الأسئلة غير ممكنة. وبالنظر إلى اقتصاديات الهيدروجين الأخضر والأزرق فقط، تدخل العديد من المتغيرات في المعادلة، وبعضها خاص بالموقع. وعلى وجه الخصوص، تدل تكلفة الهيدروجين الأخضر على سعر مصادر الكهرباء المتجددة، ومعدل استخدام المحللات الكهربائية الذي قد يكون منخفضًا إذا استُخدمت الكهرباء فقط في غير أوقات الذروة، وأيضًا تكلفة المحللات الكهربائية نفسها التي لا تزال مرتفعة حاليًا بشكل واضح.

وللإضافة إلى تعقيد هذا الأمر، تختلف تكلفة نقل الهيدروجين من مكان إنتاجه إلى مكان استهلاكه بناءً على المسافة والكمية والوسائل المختارة، حيث يمكن نقل الهيدروجين كغاز في خطوط الأنابيب، أو كسائل مبرد في الشاحنات وصهاريج السفن في شكل مُحوَّل إلى أمونيا أو مربوط بشكل عكسي بناقل عضوي سائل، بالإضافة إلى معدل استخدام البنية التحتية ذات الصلة.

وهذا يعني، على سبيل المثال، أن الهيدروجين الأخضر، الذي قد لا يكون مكلفًا في إنتاجه في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بسبب توافر موارد الطاقة الشمسية، قد يصبح غير قادر على المنافسة في حال تصديره إلى السوق الأوروبية بسبب ارتفاع تكاليف نقله، على الأقل إلى أن تنخفض تكاليف التكنولوجيا بشكلٍ أكبر من ذلك بكثير.

أنواع الهيدروجين

من ناحية أخرى، قد يكون إنتاج الهيدروجين الأزرق أرخص في الوقت الحاضر، ولكنه قد يكون مقيدًا بسبب عدم توفر سعة تخزين ثاني أكسيد الكربون واحتجازه، كما يجب مراعاة تكاليف نقله أيضًا.
وعلى مستوى عالٍ، تشير التوقعات، بالإضافة إلى دراسات أخرى رفيعة المستوى، إلى أن تقليل الأثر الكربوني الصادر عن مصادر الطاقة بسرعة ربما يتطلب استخدام كلٍ من الهيدروجين الأزرق والأخضر، مع كون الهيدروجين الأزرق أكثر تنافسية في العديد من المناطق على المدى القصير إلى المتوسط، والهيدروجين الأخضر الخيار الأكثر استحسانًا على المدى الطويل. ومع ذلك، ستعتمد الكثير من الأمور في الواقع على سياسات الحكومات ومبادرات القطاع الصناعي التي ستؤدي دورًا حاسمًا في تشكيل الأسواق المستقبلية ودفع جهود تطوير التكنولوجيا.

وحتى المناقشات الأكثر تبسيطًا تعطي إحساسًا واضحًا بالتعقيد والشكوك المحيطة بمستقبل طاقة الهيدروجين. وفي ضوء كل هذه الأمور، ما الذي يجب أن تفعله قطر إذًا حيال ذلك؟ نظرًا لأن طاقة الهيدروجين لا يبدو أنها تشكل تهديدًا مباشرًا على صناعة الغاز الطبيعي المسال، فهل يجب على قطر فقط اتباع نهج الانتظار والترقب؟ أم ينبغي عليها بدلاً من ذلك أن تبدأ في التعامل مع طاقة الهيدروجين الآن، أيضًا في ضوء حقيقة أن دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى تتحرك فعليًا بقوة في هذا المجال؟ أرى أن النهج الأخير سيكون الأفضل للأسباب التي سأذكرها فيما يلي.

أولاً، على الرغم من العوائق المتعددة التي لا تزال تواجهها، فإن الدوافع السياسية وراء استخدام طاقة الهيدروجين اليوم تختلف اختلافًا كبيرًا عن تلك التي كانت موجودة في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. ويمكن القول إنها باتت أقوى، وأن التكنولوجيا أصبحت أكثر نضجًا، وأن صناعة الطاقة أضحت أكثر استعدادًا لقبول هذا التغيير التحويلي.

وفي بداية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، كان الدافع الرئيسي لاستخدام طاقة الهيدروجين هو تأمين إمدادات الطاقة، بشكل أساسي فيما يتعلق بالنفط، وبدرجة أقل بحماية البيئة. واليوم، يُعدُ الدافع الرئيسي لاستخدام الهيدروجين الذي سيبقى معنا طويلاً الحد من تغير المناخ العالمي.

علاوة على ذلك، أدت جهود البحوث والتطوير الرئيسية التي بدأت في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين إلى تحقيق تقدم كبير في العديد من مجالات إنتاج الهيدروجين ونقله والاستخدام النهائي له، كما ظهرت منظومة لشركات جديدة حول تقنيات الهيدروجين الجديدة التي يمكن الآن توسيع نطاقها بسرعة نسبيًا. وسواء اعتمدنا على طاقة الهيدروجين أم لا، فإن صناعة الطاقة اليوم تمر فعليًا بتحول جذري في مواجهة تغير المناخ، وهو الوضع الذي لم يكن قائمًا في عام 2000. ولذلك، رغم أنه لا يمكن لأحد التنبؤ بالمستقبل، فإن احتمالية أن تصبح طاقة الهيدروجين صناعة رئيسية باتت الآن حقيقية كما كانت دائمًا.

ثانيًا، كما ذكرنا بالفعل، سيتأثر الشكل المستقبلي لصناعة الهيدروجين، في حالة تحققه، بشدة بإجراءات العوامل المحركة المبكرة والعوامل اللاحقة السريعة، سواء كان ذلك ناجمًا عن تأثير الحكومات أو القطاع الصناعي، بطريقة تعتمد على المسار الذي يميز الابتكار التكنولوجي.

وينطبق هذا المنطق على المنافسة بين الهيدروجين الأخضر والأزرق، وتقنيات الإنتاج والنقل الجديدة، كما ينطبق بشكلٍ حاسم على التدفقات الدولية للهيدروجين التي ستتطور بين البلدان المنتجة والمستهلكة، فضلاً عن مشاريع البنى التحتية التي ستُبنى لدعم هذه التدفقات. ومن الأمثلة الدالة على نوع الإجراءات التي من المحتمل أن تشكل مستقبل صناعة الطاقة الهيدروجينية الإعلانات الأخيرة مثل إطلاق مبادرة "منجنيق الهيدروجين الأخضر"، التي اجتمع فيها قادة صناعة الهيدروجين الأخضر لبحث سبل زيادة إنتاجه بمقدار 50 ضعفًا على مدى السنوات الست المقبلة، مما أدى إلى تسريع وتيره توسيع نطاقه وتقريب الهيدروجين الأخضر إلى النقطة التي تقترب فيها التكلفة من التنافسية.

آفاق المستقبل

إذا لم تتفاعل قطر مع مثل هذه التطورات الآن، فسوف تفقد الفرصة لتشكيل الصناعة بطريقة تعود بفائدةٍ أكبر على اقتصادها، وقد يتعين عليها في نهاية المطاف أن تؤدي دورًا وضعه الآخرون بالفعل لها.

وأخيرًا، يتيح المشاركة في إنتاج طاقة الهيدروجين اليوم لدولة قطر فرصة البدء في النظر إلى ما وراء الغاز الطبيعي المسال على طول الطريق الذي يرمي للحد باستمرار من الأثر البيئي للوقود الذي تصدره. وتسمح طاقة الهيدروجين لدولة قطر ببناء عنصر أساسي لاستراتيجية طويلة الأجل تضمن استمرار الازدهار لعقود قادمة، مع تعزيز مكانتها الرائدة كدولة إقليمية وعالمية مسؤولة. وتمثل طاقة الهيدروجين لدولة قطر مسألة تتعلق بالتحوط للمستقبل. 

*يشغل الدكتور مارسيلو كونتستابيل منصب عالم اقتصاد رئيسي في معهد قطر لبحوث البيئة والطاقة بجامعة حمد بن خليفة.

ملاحظة:
هذا المقال مقدَّم من إدارة الاتصال بجامعة حمد بن خليفة نيابةً عن الكاتب. والآراء الواردة في هذا المقال تعكس وجهة نظر الكاتب، ولا تعكس بالضرورة الموقف الرسمي للجامعة.