معهد قطر لبحوث البيئة والطاقة | سوق الطلاءات المضادة للتآكل

نحو وعيٍ أكبر بسوق الطلاءات المضادة للتآكل

01 يناير 2024

أنبوب فولاذي متآكل

على الرغم من الضغوط الاقتصادية الناجمة عن جائحة كوفيد-19، والصراع بين روسيا وأوكرانيا، إلى جانب جملةٍ من القضايا المتداخلة، شهد سوق الطلاءات المضادة للتآكل نموًا ملحوظًا على مدى السنوات الخمس الماضية، وتبدو الآفاق إيجابيةً أيضًا لما تبقى من هذا العقد، فمن المتوقع أن يشهد القطاع معدل نموٍ سنوي مركب بنسبة 5٪ بين عامي 2023 و2029، كما تبدو الأسباب الكامنة وراء مرونة السوق وقوتها واضحة بما لا يدع مجالًا للشك، وتنمّ عن ابتكارٍ بيِّن.

ميزات أساسية

تؤدي الطلاءات المضادة للتآكل دورًا هامًا في حماية البنية التحتية وتعزيز التنمية الاقتصادية، حيث يُستخدم أكثر من نصف إنتاج الطلاءات في العالم لحماية المباني الجديدة وكذلك الحفاظ على المباني القائمة، بما في ذلك العقارات السكنية والمباني العامة والمنشآت الصناعية، كما يُستخدم ما يقرب من 35% من الطلاءات على المنتجات الصناعية، مما يُطيل من عمرها، ويزداد الطلب على الطلاءات في آسيا بوتيرة أسرع من باقي أنحاء العالم بنسبة تقترب من 55٪ من الاستهلاك العالمي.

وإن تكلفة عدم الاستثمار في المنتجات المضادة للتآكل تستحق القدر نفسه من الانتباه، إن لم يكن أكثر، فوفقًا لدراسة أجرتها الرابطة الوطنية لهندسة التآكل عام 2013، بلغت التكلفة السنوية للتآكل على مستوى العالم 2.5 تريليون دولار، أي ما يعادل حوالي 3.4% من الناتج المحلي الإجمالي في العالم، كما خلصت الدراسة إلى أنّ الدول العربية كانت الأكثر تأثرًا، حيث تكبدت، مجتمعةً، خسائر وصلت إلى 5٪ من ناتجها المحلي الإجمالي بسبب الأضرار ذات الصلة، وفي حال غياب الاستثمار المستمر في الطلاءات المضادة للتآكل، فإن هذه الأرقام سترتفع حتمًا خاصةً مع تزامنها مع الجهود المبذولة للتصدي لتغير المناخ.

وعلى الرغم من الحاجة البديهية إلى الطلاءات الواقية، إلا أنّ جائحة كوفيد-19 تسببت في تعليق العديد من المشاريع في مختلف القطاعات الصناعية، مما أثّر سلبًا على الطلب العالمي على هذه المنتجات، ومع تخفيف القيود والعودة التدريجية إلى النشاط الاقتصادي الطبيعي، عاد كذلك الطلب على هذه الطلاءات، خاصة في ظل مشاريع البنية التحتية الضخمة التي أطلقتها الحكومات والمنظمات الدولية، وبدءًا من إحياء مبادرات دولية قائمة على إطلاق برامج محلية جديدة، تتجلى بوضوح الأبعاد السياسية وراء هذه الاستثمارات.

وتتألف مبادرة الحزام والطريق الصينية من شراكات تشمل 147 دولة، فضلًا عن التزامات بتطوير البنية التحتية الجديدة والحالية في الصين وخارجها، ومنذ عام 2013، أنفقت بكين ما يقرب من تريليون دولار على مجموعة متنوعة من مشاريع البنية التحتية التي تتطلب بالضرورة منتجات مضادة للتآكل، بما في ذلك ميناء جوادر في باكستان، وتشير تقديرات بنك التنمية الآسيوي إلى أن معدّل إنفاق الصين على احتياجاتها من البنية التحتية سيصل إلى 26 تريليون دولار بحلول عام 2030.

وفي محاولة لتوفير مصادر تمويل بديلة لمبادرة الحزام والطريق، يعتزم الاتحاد الأوروبي استثمار 340 مليار دولار على مستوى العالم بحلول عام 2027 في مشاريع بنية تحتية ومشاريع رقمية ومناخية، وعلى مستوى أوروبا، يأتي مشروع "الجيل القادم للاتحاد الأوروبي" كأداة مؤقتة بقيمة 800 مليار يورو لدعم التعافي الاقتصادي من جائحة كوفيد-19 وبناء مستقبل أكثر استدامة ومرونةً وتقدمًا رقميًا. ومثل الاتحاد الأوروبي، ترى الولايات المتحدة أيضًا أن الاستثمار في بنيتها التحتية المحلية ضروري للتعافي بعد الجائحة. وابتداءً من عام 2021، سيخصص قانون البنية التحتية المشترك بين الحزبين ما يقدر بنحو 1.2 تريليون دولار من التمويل على مدى عشر سنوات، وسيتم توزيع ما يقرب من 550 مليار دولار لقطاع النقل، والتي تتضمن الطرق والجسور، والبنية التحتية الأساسية مثل شبكة الكهرباء وشبكة النطاق العريض.

حاجة للتغيير

أدى تأثير تغير المناخ واحتمالية حدوث المزيد من الظواهر الجوية الأكثر عنفًا في السنوات القادمة إلى زيادة الضغط على الجهات المعنية لضمان أن تصنيف الحماية من التآكل للمباني يفي بالحد الأدنى من متطلبات عمر التصميم، وعلى الجانب الآخر، تستمر الحكومات والمجتمعات في النأي بنفسها عن الممارسات الصناعية التي تعتبرها جماعات الضغط الناشطة، مثل "فقط أوقفوا النفط" و"تمرد ضد الانقراض"، ضارةً بالكوكب، وتشمل هذه الممارسات إدخال المُركبات العضوية المتطايرة في تصنيع واستخدام الطلاءات الواقية. 

وتتنوع جهود التخفيف من هذه الممارسات من منطقة إلى أخرى، ففي الولايات المتحدة، على سبيل المثال، تقوم وكالة حماية البيئة بتنظيم استخدام المُركّبات العضوية المتطايرة على المستوى الفيدرالي فيما يتعلق بالطلاءات الرذاذة والطلاءات المعمارية وطلاءات السيارات، ومن جانبها، تستخدم الوكالة الأوروبية للمواد الكيميائية، استراتيجية “REACH” لضمان امتثال شركات التصنيع المحلية باللوائح ذات العلاقة، وعلى المستوى الدولي، يشجع برنامج شهادة الريادة في تصميمات الطاقة والبيئة على استخدام أنظمة الطلاء الصديقة للبيئة في مجموعة واسعة من المباني التجارية والسكنية.

وببساطة، تمثل الطلاءات الصديقة للبيئة فرصة نمو هائلة لمصنعي الطلاءات المضادة للتآكل، وإنّ أهم التقنيات الرئيسية المستخدمة حاليًا كبدائل صديقة للبيئة للطلاءات المنقولة بالمذيبات هي الطلاءات المائية والطلاءات عالية الصلابة أو المساحيق، وتحظى تقنيات مكافحة التآكل، مثل طلاءات الإيبوكسي المنقولة بالماء، باهتمامٍ كبير بسبب انخفاض مستوى المُركّبات العضوية المتطايرة المعروفة بإزالة حاملات المذيبات، كذلك تمتلك طلاءات الإيبوكسي خصائص حاجزة محسّنة تعزز مقاومتها للتآكل وتدعم الفرص الواعدة للسوق مستقبلًا.

وتحمل الطلاءات الأكريليكية إمكانات واعدة كذلك، حيث تحظى هذه المنتجات بشعبية كبيرة نظرًا لخصائصها الفيزيائية الممتازة، مثل مقاومة العوامل الجوية والأكسدة، وهي تعتمد أساسًا على الماء، مما يُتيح تعاملًا أسهل ويقدّم فوائد اقتصادية أكبر، فضلًا عن كونها صديقةً للبيئة، كما أتاحت الطلاءات الأكريليكية أيضًا تطوير راتنجات الألكيد التي يمكن تصنيعها من مصادر نباتية طبيعية مثل زيت بذر الكتان وفول الصويا، مما يجعلها خيارًا مستدامًا جذابًا.

وتُعد المحاكاة الحيوية، المستوحاة أيضًا من الطبيعة، مجالًا متعدد التخصصات يعزز تطوير طلاءات متعددة الوظائف عبر أنظمة هجينة عضوية أو غير عضوية، إما للاستخدام في بيئات مختلفة أو لإضافة إمكانات غير الحماية من التآكل، وإضافةً إلى ذلك، تم تطوير طلاءات مقاومة للتآكل ذاتية التنظيف عن طريق محاكاة أسطح نبات "Nepenthes"، ومع مرورها بآلاف السنين من التطور، تواصل الطبيعة تزويدنا بمزيدٍ من الأفكار التي تساعدنا في تطوير طلاءات فائقة الأداء، ومع ذلك، تبقى مهمة سد الفجوة بين الطبيعة والمحاكاة المختبرية والتنفيذ التجاري تحديًا قائمًا.

إحصاء التكاليف

ويقدر الأكاديميون أن تنفيذ أفضل ممارسات الوقاية من التآكل يمكن أن يؤدي عالميًا إلى توفير تكاليف تتراوح بين 375 و875 مليار دولار، وقد أظهرت دراسات مختبرية أيضًا توفيرًا في تكاليف الدورة الحياتية لمنتجات مثل طلاءات "Silcolloy" المقاومة للتآكل، مقارنةً بالفولاذ المقاوم للصدأ غير المعالج والسبائك عالية الأداء، وهذا يُبرز الطلاءات المقاومة للتآكل كبديل عملي عند اختيار المواد ومراقبة عمليات التآكل، وفي روسيا، كشفت دراسة استخدمت منتجات "Antikor" في مجموعة من التطبيقات النقاب عن الفوائد الكبيرة، المباشرة وغير المباشرة، للاستخدام الواسع للطلاءات المضادة للتآكل، ومن هذه الفوائد تقنين استخدام المعادن، وزيادة توليد الكهرباء، وتقليل أوقات التوقف للصيانة وتكاليف المعدات المرتبطة بها.

ومع استمرار الابتكارات التكنولوجية الجديدة في الظهور، وزيادة كفاءة الإنتاج التي تعمل على خفض التكاليف، من المرجح أن تستمر الطلاءات في تأديةِ دورٍ محوري في خفض التكلفة العالمية للتآكل، ولا يخلو هذا القطاع من نقاط ضعفٍ محتملة، مثل إمكانية نشوب صراعات لتقييد الوصول إلى المواد الخام، ومع ذلك، فقد يساعد تطوير تطبيقات الطاقة المتجددة الشركات المصنِّعة على التغلب على هذه التحديات مع زيادة استدامة القطاع وملاءمته للبيئة، وبشكلٍ عام، يمكن القول إنّ مستقبل سوق الطلاء المضاد للتآكل يبدو مشرقًا مع وجود الكثير من الإمكانات في الأفق لموردي الطلاء والمهمتين بالتطبيقات البحثية ذات العلاقة.

*تعد الدكتورة حنان فرحات مؤسس ومدير مركز التآكل في معهد قطر لبحوث البيئة والطاقة التابع لجامعة حمد بن خليفة.

*تم إرسال هذا المقال من قبل إدارة الاتصال بجامعة حمد بن خليفة نيابةً عن مؤلفته، وجميع الأفكار والآراء الواردة فيه تعبر عنها ولا تعكس بالضرورة موقف الجامعة الرسمي.