استخدام الذكاء الاصطناعي لتحسين خطط العلاج في قطاع الرعاية الصحية

استخدام الذكاء الاصطناعي لتحسين خطط العلاج في قطاع الرعاية الصحية

24 أغسطس 2022

في الجزء الأول من سلسلة مكونة من ثلاثة أجزاء تناقش دور الذكاء الاصطناعي في قطاع الرعاية الصحية، نتحدث إلى علماء في معهد قطر لبحوث الحوسبة، التابع لجامعة حمد بن خليفة، حول هذا الموضوع.

يناقش الخبراء في معهد قطر لبحوث الحوسبة دور الذكاء الاصطناعي في الوقاية وتحسين العلاج

كيف يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي لتحسين خدمات الرعاية الصحية في قطر، وكيف يُستخدم حاليًا؟ 

الدكتور محمد سعد: للذكاء الاصطناعي العديد من التطبيقات المحتملة التي تُستخدم أو يمكن استخدامها في قطاع الرعاية الصحية بدولة قطر. وتشتمل المجالات التي يمكن للذكاء الاصطناعي أن يؤدي دورًا مهمًا فيها على السجلات الصحية الإلكترونية، والتصوير والأشعة، والأجهزة القابلة للارتداء، وعلم الجينوم. ومع توافر كميات كبيرة من بيانات السجلات الصحية الإلكترونية في قطر في نظام مركزي يضم مؤسسة حمد الطبية ومؤسسة الرعاية الصحية الأولية، يمكن تطوير نماذج الذكاء الاصطناعي للتنبؤ بحدوث المرض وشدته وتشخيصه. وتساعد مثل هذه النماذج على تحسين خطط الوقاية والعلاج. فعلى سبيل المثال، يمكن أن يساعد الذكاء الاصطناعي في التنبؤ بأمراض القلب والأوعية الدموية باستخدام بيانات السجلات الصحية الإلكترونية، التي لا يمكن أن يقوم بها الممارس الطبي بمفرده نظرًا لكمية البيانات الضخمة. ويُعدُ علم الجينوم مجالاً مهمًا آخر يمكن للذكاء الاصطناعي أن يساعد من خلاله كذلك في تعزيز خدمات الرعاية الصحية بدولة قطر. ويحلل علم الجينوم الشفرة الجينية من خلال تسلسل الحمض النووي (وأنواع أخرى من البيانات) ويمكنه إنتاج بيانات ضخمة لا يمكن تحليلها باستخدام نماذج بسيطة فقط. ويمكن أن يؤدي الذكاء الاصطناعي دورًا رئيسيًا في فهم الآليات الحيوية غير المعروفة المشفرة بواسطة الحمض النووي الريبوزي. ومع توفر أكثر من 20,000 تسلسل جينومي كامل بفضل برنامج قطر جينوم وقطر بيوبنك، فإننا نأمل في التوصل إلى اكتشافات جينية جديدة حول سكان دولة قطر والمنطقة على نطاقٍ أوسع. وبالتعاون بين مؤسسة حمد الطبية ومعهد قطر لبحوث الحوسبة، اختُبرت درجات المخاطر الجينية المتوفرة في البيانات الأوروبية وتحققنا من صحتها لدى السكان القطريين فيما يتعلق بأمراض القلب التاجية والسمنة باستخدام مناهج العلوم البيولوجية المتعددة. وقد عُرضت هذه النتائج في مؤتمرات جمعية القلب الأمريكية ومجلة الكلية الأمريكية لأمراض القلب. وأدت دراسة حول العلوم البيولوجية المتعددة نُشرت مؤخرًا استنادًا على بيانات قطرية للتوصل إلى رؤى مهمة حول داء السمنة باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي (بالتعاون بين مؤسسة حمد الطبية ومعهد قطر لبحوث الحوسبة؛ https://www.frontiersin.org/articles/10.3389/fendo.2022.937089/full).

الدكتور صبري بوغوربل: الذكاء الاصطناعي لديه القدرة على تعزيز قسم الأشعة من خلال أتمتة مهمة إصدار التقارير التي يُصدرها أخصائيو الأشعة وتوفير دعم في عملية اتخاذ القرار بخصوص التشخيص. فعلى سبيل المثال، يمكن لنماذج الذكاء الاصطناعي إجراء مسح سريع لآلاف من صور الأشعة السينية والتصوير بالرنين المغناطيسي والأشعة المقطعية لمساعدة أخصائيي الأشعة على اتخاذ قرارات أفضل ومواتية فيما يتعلق بالتشخيص وبالتالي العلاج.

ما حجم الفوائد التي حققها الذكاء الاصطناعي، والتكنولوجيا بشكل عام، خلال أسوأ مرحلة من مراحل انتشار جائحة كوفيد-19؟

الدكتور صبري بوغوربل: كانت التوقعات بشأن مساهمة الذكاء الاصطناعي خلال مرحلة انتشار جائحة كوفيد-19 أعلى بكثير مما تحقق. فقد كانت هناك توقعات بالتوصل إلى لقاحات وأدوية تعتمد على الذكاء الاصطناعي. وحققت عملية إعادة توظيف الأدوية باستخدام الذكاء الاصطناعي نتائج واعدة، ولكن لا يزال يتعين علينا أن ندرس ما إذا كان هذا الأمر سيتسبب في حدوث تقدم علمي جديد.
الدكتور محمد سعد: في معهد قطر لبحوث الحوسبة، طور العلماء نموذجًا للذكاء الاصطناعي لاختبار إمكانية استخدام عدد من الأدوية في علاج فيروس كوفيد-19، وتوصلا إلى إمكانية استخدام دواءين بفعالية في علاج هذا الفيروس هما بريلاسيدين 1 وريتونافير 2. وحصل هذان الدواءان على اعتماد إدارة الغذاء والدواء الأمريكية وموافقتها على استخدامهما في علاج فيروس كوفيد-19. 

ما هي المشاريع التي يشارك فيها معهد قطر لبحوث الحوسبة فيما يتعلق بالذكاء الاصطناعي والرعاية الصحية؟

الدكتور محمد سعد: بالتعاون مع العديد من الأطراف المعنية العاملة في قطاع الرعاية الصحية (مثل وزارة الصحة العامة، ومؤسسة حمد الطبية، ومؤسسة الرعاية الصحية الأولية، وغيرها من المؤسسات)، يشارك معهد قطر لبحوث الحوسبة في العديد من المشاريع المتعلقة بالذكاء الاصطناعي والرعاية الصحية. والمشروع الأول هو تقييم قيمة البيانات المستمدة من الأجهزة القابلة للارتداء (مثل الساعات الذكية) للتدخل في نمط الحياة والتعامل مع النوع الثاني من داء السكري (مثل جهود الوقاية من المرض وإبطاء تقدمه). وهذا جزء من البرنامج القطري للوقاية من مرض السكري الذي يحظى بتمويل من الصندوق القطري لرعاية البحث العلمي. وتشتمل المشاريع الأخرى على تطوير درجات لقياس مخاطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية والنوع الثاني من داء السكري باستخدام بيانات السجلات الصحية الإلكترونية. وهناك جهود تُبذل حاليًا لتطوير درجات لقياس المخاطر متعددة الجينات للإصابة بأمراض الشريان التاجي لدى القطريين، والنتائج الأولية واعدة.

هل هناك عقبات تواجه الاعتماد بدرجة كبيرة على الذكاء الاصطناعي في قطاع الرعاية الصحية وما هي تلك العقبات إن وجدت؟   

الدكتور صبري بوغوربل: مثل وسائل التكنولوجيا الأخرى، يتسبب الاعتماد على الذكاء الاصطناعي بدرجة كبيرة في ظهور بعض العقبات. فعلى سبيل المثال، يجب معالجة الثغرات الأمنية. ومن بين العقبات الأخرى التفاوت الاجتماعي، والتحيز، والعدالة. وفي حال تطوير أدوات الذكاء الاصطناعي اعتمادًا على مجموعات بيانات قائمة على تحيز عنصري جوهري، فقد تعكس النماذج هذه المشكلات أثناء نشر هذه الأدوات. فعلى سبيل المثال، إذا تلقت النماذج التدريب في الغالب باستخدام بيانات مستمدة من سكان أوروبيين، فقد تكون الدقة في مجموعات البيانات غير الأوروبية الأخرى ضعيفة.

الدكتور غانم السليطي: كلما كانت نماذج الذكاء الاصطناعي أكثر تعقيدًا، تصبح أكثر غموضًا، وهو ما يعني ألا نفهم في كثير من الأحيان كيف استمدت الآلة مخرجاتها من مدخلات معينة. ويشير خبراء الذكاء الاصطناعي إلى هذه المعضلة باسم مشكلة الصندوق الأسود، ويدعون إلى أن تكون هذه النماذج شفافة وقابلة للتفسير لضمان تحقيق العدالة وتعزيز المسؤولية. وتختلف درجة الشفافية حسب السياق والتطبيق. ففي التطبيقات التي يشكل فيها استخدام نماذج الذكاء الاصطناعي مخاطر قليلة على البشر، مثل مرشحات البريد الإلكتروني العشوائي، هناك حاجة أقل للشفافية (أي التوضيح المفصل لكيفية عمل النظام والبيانات التي استخدمت في تدريبها). ومع ذلك، في الأوضاع التي تكون فيها حياة البشر على المحك، مثل خدمات الرعاية الصحية، تكون هناك حاجة إلى تعزيز الشفافية لبناء الثقة في نظام الرعاية الصحية وضمان تلقي المرضى للعلاج بطريقة عادلة، وتحديد المسؤولية عن القرارات الطبية المعتمدة على توصيات التعلم الآلي.

* يشغل الدكتور محمد سعد منصب عالِم  في قسم علم الوراثة الإحصائية والمعلوماتية الحيوية، بينما يشغل الدكتور صبري بوغربل منصب عالم في قسم التعلم الآلي لقطاع الصحة، ويشغل الدكتور غانم السليطي منصب عالم في قسم استراتيجيات وسياسات الذكاء الاصطناعي، وجميعهم يعملون في معهد قطر لبحوث الحوسبة، التابع لجامعة حمد بن خليفة.