كيف يُستخدم الذكاء الاصطناعي لوضع خرائط للفقر

كيف يُستخدم الذكاء الاصطناعي لوضع خرائط للفقر

10 نوفمبر 2019

كيف يُستخدم الذكاء الاصطناعي لوضع خرائط للفقر

يوضح الدكتور إنغمار فيبر (مدير أبحاث الحوسبة الاجتماعية)، ومعصوملي فاتحكيا (مساعد أبحاث) بمعهد قطر لبحوث الحوسبة، التابع لجامعة حمد بن خليفة، كيف يساعد التعلم الآلي في التصدي للفقر.

وفقًا للبيانات الصادرة عن البنك الدولي، يعيش 736 مليون شخص في فقرٍ مدقعٍ في جميع أنحاء العالم، ويتواجد نصف هؤلاء الأشخاص في خمس دول فقط. وهذه الدول (بترتيب تنازلي) هي: الهند، ونيجيريا، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، وإثيوبيا، وبنغلاديش. 

ومن بين الجهات التي تقود الحرب ضد الفقر، البنك الدولي، أحد أكبر مصادر التمويل للمشاريع الرامية للحد من الفقر في العالم؛ ومنظمة الأمم المتحدة، التي تتمثل أولويتها الأولى من بين أهدافها السبعة عشر للتنمية المستدامة في "إنهاء الفقر بجميع أشكاله في كل مكان". وتحتفل الأمم المتحدة كذلك باليوم العالمي للقضاء على الفقر بتاريخ 17 أكتوبر.

ويعتمد كل من البنك الدولي ومنظمة الأمم المتحدة بشدة على البيانات والأبحاث لقياس التقدم المنجز على طريق تحقيق هذه الغاية. ونحن، في معهد قطر لبحوث الحوسبة، التابع لجامعة حمد بن خليفة، نفخر بالتعاون مع العديد من تلك المؤسسات بهدف التصدي للمشاكل العالمية باستخدام وسائل الذكاء الاصطناعي.

ويمتلك معهد قطر لبحوث الحوسبة تاريخًا طويلًا من التعاون مع الوكالات التابعة لمنظمة الأمم المتحدة، والمنظمات غير الحكومية. فعلى سبيل المثال، طور المعهد منصة الذكاء الاصطناعي للاستجابة الرقمية، التي حصلت على الجائزة الكبرى للتحدي العالمي في البرمجيات مفتوحة المصدر في عام 2015.

وتحلل المنصة البيانات خلال الكوارث، مثلما حدث في أثناء إعصار دوريان مؤخرًا، ونحن نعمل بشكلٍ مباشرٍ مع منظمات الإغاثة حول العالم لتطوير التكنولوجيا التي يحتاجون إليها لفهم مغزى "البيانات الكبرى" خلال الأزمات، من أجل تقييم الأوضاع وتخصيص الموارد بشكلٍ أفضل. وتُمثل البيانات الكبرى تكنولوجيا رائدة عالميًا، ونحن نستخدم كذلك التعلم الآلي، وهو شكل من أشكال الذكاء الاصطناعي، الآن، لإنتاج خرائط لمناطق الفقر باستخدام بيانات إعلانية مجهولة المصدر من موقع فيسبوك. 

كيف يمكن أن يحدد جهاز الهاتف المحمول ثروة الشخص؟

يزود موقع فيسبوك المعلنين بالقدرة على توجيه رسائلهم بشكل انتقائي إلى المستخدمين الذين يلبون معايير معينة. وتشتمل معايير الاستهداف على السن، والنوع، ولكنها تضم كذلك سِمات مثل الدول التي يعيش فيها المستخدم، أو الجهاز المستخدم للدخول إلى موقع فيسبوك. ولتسهيل عملية تخطيط الميزانية، يوفر فيسبوك ما يُعرف باسم تقديرات الجماهير، أي تقديرات عدد المستخدمين الذين يلبون معايير الاستهداف المقدَّمة.

معصوملي فاتحكيافعلى سبيل المثال، ووفقًا لموقع فيسبوك، هناك 2.4 مليون مستخدم لهذا الموقع في سن 18 عامًا فأكثر يعيشون في قطر. ومن بين هؤلاء المستخدمين، عاش 280,000 شخص في نيبال، بينما عاش 12.000 شخص في الولايات المتحدة. ومن بين المستخدمين الذين اعتادوا العيش في نيبال، أشارت التقديرات إلى أن 4% فقط منهم استخدموا جهازًا مزودًا بنظام iOS باعتباره طريقتهم الأساسية للدخول إلى موقع فيسبوك، بينما وصلت النسبة إلى 38% لدى المستخدمين الذين عاشوا في الولايات المتحدة. ويمكن إجراء هذا النوع من التحليل حتى على مستوى استعراض المدن الفرعية، فعلى سبيل المثال، تتزايد احتمالات عيش المستخدمين من الدول الغربية في مناطق أكثر تكلفةً مثل الخليج الغربي أو اللؤلؤة، بينما تتزايد احتمالات عيش المستخدمين القادمين من نيبال في المنطقة الصناعية.   

وحيث أن هواتف الآيفون تكون أغلى عمومًا من أنواع أجهزة الهواتف النقالة الأخرى، تشير هذه الملاحظة إلى أن مستخدمي موقع فيسبوك في قطر القادمين من الولايات المتحدة لديهم دخل قابل للصرف أعلى من دخل المستخدمين القادمين من نيبال، وينعكس هذا أيضًا في معدل التباين في الدخل القابل للصرف في أجزاء مختلفة من المدينة.

وبالطبع، قد يختار العديد من الأشخاص، الذين يمكنهم تحمل تكلفة شراء هاتف آيفون، الامتناع عن شراء هذا الهاتف، ولكن بالنظر إلى مجموعات كبيرة كافية من البشر، وجدنا أن نوع الجهاز المستخدم في الدخول إلى موقع فيسبوك يمكن أن يُمَّثِل إشارة قوية على تخطيط المستويات النسبية للفقر.

ولن يكون المثال المذكور أعلاه مفاجئًا بالنسبة للقراء الذين يعيشون في قطر، ولكن قوة المنهجية العامة، التي تتمثل في النظر إلى نوع الجهاز بالإضافة إلى نوع الاتصال بشبكة الإنترنت، تأتي من حقيقة أن هذه المنهجية تُوَّظف كذلك بشكلٍ دوليٍ. 

لماذا تبرز أهمية خرائط الفقر

دأب معهد قطر لبحوث الحوسبة على استخدام هذه البيانات لمدة عام؛ بهدف وضع خريطة للفقر، وخصوصًا في الفلبين والهند. ونحن نفعل ذلك لأن العديد من الدول، ولا سيِّما الدول النامية، ليس لديها بيانات محَدَّثة، وهو ما يصعب من عملية تخطيط أو تقييم الإجراءات الفعالية للحد من الفقر.

ونحن ندمج، في عملنا، ما بين تقديرات الجماهير من موقع فيسبوك مع مصادر البيانات الأخرى، مثل بيانات القمر الصناعي وتقديرات الكثافة السكانية، لإنتاج خرائط الفقر. وتعمل هذه الطريقة عبر وصف المواقع فيما يتعلق بمجموعة "الخصائص" أولًا، أي قائمة الأرقام التي تلخص أعداد الجماهير المستخدمة لموقع فيسبوك التي تتواجد على الموقع، بالإضافة إلى كيف يبدو الموقع على صور الأقمار الصناعية. 

ونحن نستخدم بيانات الفقر المتاحة بعد ذلك للمواقع التي تتواجد فيها بغرض التعرف على وظيفة تحسب تقديرات الفقر للموقع اعتمادًا على مجموعة من الخصائص. وبمجرد تعرفنا على هذه الوظيفة وتقييمنا لدقتها، يمكننا تطبيقها لإصدار تنبؤات بمناطق الفقر للمواقع التي لا تتواجد فيها بيانات حقيقية ميدانية.  

وقد بدأنا مسار العمل المذكور مع الفلبين، بالتعاون مع مكتب الابتكار في منظمة اليونيسف، وشركة ناشئة مقرها الفلبين تعرف باسم "ثينكنغ ماشينز"، وهي شركة تستخدم بيانات فيسبوك فقط مبدئيًا لإصدار تنبؤات بالفقر. وبعد حصولنا على نتائج جيدة، وسَّعنا من نطاق هذا العمل ليشمل الهند، ودمجنا البيانات المتحصلة من صور الأقمار الصناعية.

ولتوضيح كيف يمكن استخدام بيانات الأقمار الصناعية لوضع خرائط للفقر، لاحظ الباحثون السابقون أن المناطق التي تتميز بإضاءتها الكثيفة أثناء الليل، عند رؤيتها من الفضاء، بها أنشطة اقتصادية عالية. وقد استخدمت هذه البيانات لبناء نماذج للتنبؤ بإجمالي الناتج المحلي لمواقع مثل كوريا الشمالية، أو غيرها من المواقع التي لا تكون الإحصائيات الجديرة بالثقة متاحة فيها. ومنذ ذلك الحين، وسَّع الباحثون من نطاق هذه الطرق للتعامل مع بيانات الأقمار الصناعية اليومية، والتقاط إشارات من قبيل ما إذا كانت سقوف المنازل مصنوعة من القش أم من القرميد، أو ما إذا كانت الطرق ممهدة أم لا. وقد اعتمدنا على هذه التطورات في عملنا.    

وبشكلٍ ملموسٍ، وجدنا أن بيانات الأقمار الصناعية بمفردها تعمل بشكل أفضل في المناطق الريفية، وأن بيانات فيسبوك بمفردها تعمل بشكل أفضل في المناطق الحضرية، ولكن النموذج الذي يجمع بين كلتا الوسيلتين أفضل. 

مشاركة المعلومات لإحداث تأثير ملموس

لتجاوز نطاق النماذج المطروحة، وتحقيق تأثير عالمي حقيقي، من الضروري بالنسبة لنا تطوير شراكات مع الأطراف المعنية الفاعلة. وفي مؤتمر القمة العالمية للذكاء الاصطناعي من أجل تحقيق الصالح العام، الذي عقده الاتحاد الدولي للاتصالات بمدينة جنيف خلال العام الحالي، نظمنا ورشة عمل حول وضع خريطة للفقر، بالتعاون مع البنك الدولي، ومؤسسة دالبرغ داتا إنسايتس.

وكان من بين نتائج هذا الاجتماع إنشاء مجموعة إلكترونية من خبراء وضع خرائط الفقر، ندعو الخبراء الآخرين للانضمام إليها. ومن خلال هذه الجهود التوعوية والتشاركية، فإننا نأمل في أن يؤدي عملنا للتوصل إلى قرارات مستندة إلى الأدلة حول أشياء من قبيل أين يمكننا توجيه الاستثمارات العامة لتحسين عملية تقديم الخدمات وتحسين البنية التحتية.

ونحن نعتقد أنه من خلال الاستخدام المبتكر لمصادر البيانات المختلفة، ستساعد أبحاثنا في إحداث تطور ملموس في هذا الموضوع. ويعني الطموح والفرص التي يوفرها معهد قطر لبحوث الحوسبة أن بإمكاننا استقطاب بعض الأشخاص الموهوبين جدًا، ونحن متحمسون للغاية بشأن التأثير الذي يمكن أن تحدثه خرائط الفقر المستندة إلى بياناتنا. 

هذا المقال مقدَّم من إدارة الاتصال بجامعة حمد بن خليفة نيابةً عن الكاتب. الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب، ولا تعكس بالضرورة الموقف الرسمي للجامعة.