جامعة حمد بن خليفة تشرح لماذا يمكن لدولة قطر أن تصبح مركزا لكرة القدم للسيدات

بقلم/ الدكتورة كاميلا سوارت أريس والدكتور كريستوس أناجنوستوبولوس

الهيئة:  كلية العلوم والهندسة
المشجعون في مباراة كرة القدم

تشير آخر التقارير إلى أن الرياضة النسائية تشهد تطورًا متصاعدًا، ومع إجراء بعض التغييرات الهيكلية اللازمة، ستتسع حدود هذا الازدهار المتنامي بلا شك، فوفقًا لاستطلاع برايس ووترهاوس كوبرز العالمي للرياضة لعام 2023، يرى كبار المسؤولين الرياضيين في 43 دولة أن الرياضة النسائية تحتل المركز الثاني من حيث قوة التأثير في القطاع، ويتوقعون لها نموًا مضاعفًا خلال الثلاثة إلى الخمسة أعوام القادمة، ومن الصعب تقريبًا التشكيك في هذا التفاؤل الملحوظ بالنظر إلى الضجة التي أحدثتها بطولة كأس العالم لكرة القدم للسيدات 2023.

وعلى الرغم من أن تاريخ بطولة كأس العالم لكرة القدم للسيدات أقصر بكثير من نظيرتها للرجال، إلا أن شعبيتها شهدت نموًا هائلاً على مر السنين، ففي النسخة الأولى من البطولة، التي أُقيمت عام 1991، شارك 12 فريقًا، بينما في نسخة هذا العام، التي استضافتها أستراليا ونيوزيلندا، شاركت فِرَق 32 دولة من مختلف أنحاء العالم.

من الجدير بالذكر أن كرة القدم النسائية تعرضت تاريخيًا للكثير من التهميش ونقص التمويل، إلا أنها حققت نجاحًا غير مسبوق مؤخرًا بفضل التقدير المتزايد واتساع رقعة الدول المشاركة، وفي سياق التحضيرات لبطولة كأس العالم لكرة القدم للسيدات 2023، كانت بطولة أمم أوروبا للسيدات 2022 البطولة الأكثر مشاهدة وحضورًا، حيث شهدت المباراة النهائية بين إنجلترا وألمانيا مشاركة ما يقرب من 90,000 متفرج، وفي مارس 2023، تم تحطيم الرقم القياسي لعدد الحضور في مباراة نسائية، إذ تواجد في الملعب 91,553 متفرج خلال مباراة نصف نهائي دوري أبطال أوروبا للسيدات بين فريقيْ برشلونة وريال مدريد.

ووفقًا لتقرير صدر مؤخرًا عن الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا)، هناك ما يقرب من 16.6 مليون امرأة وفتاة يلعبن كرة القدم المنظمة، وهي زيادة بنحو الربع عن الأرقام المسجَّلة عام 2019. أحد العوامل الرئيسية التي ساهمت في هذا النمو هي استراتيجية الفيفا لكرة قدم السيدات الأولى على الإطلاق والتي تركز على ثلاثة أهداف أساسية: تعزيز المشاركة، وتقوية القيمة التجارية، وبناء الأسس.

ويبدو أن إعطاء الأولوية لكرة القدم النسائية والاستثمار فيها على عدة أصعدة قد بدأ يؤتي ثماره كما حدث في كأس العالم للسيدات 2023، حيث شهدت البطولة حضورًا عالميًا واسعًا وشاركت فيها عدة دول، مثل هايتي والمغرب وبنما والفلبين والبرتغال وجمهورية أيرلندا وفيتنام وزامبيا، لأول مرة في تاريخها، مما ساهم في جلب المزيد من الجماهير لهذه الرياضة عبر مختلف القارات.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن الدولتين المشاركتين في نهائي كأس العالم للسيدات 2023، إنجلترا وإسبانيا، قد استثمرتا بشكل كبير في كرة القدم النسائية قبل البطولة، واستفادتا من وجود دورياتٍ محليةٍ قوية تجتذب لاعباتٍ من جميع أنحاء العالم، مما ساهم في فوز إنجلترا ببطولة أمم أوروبا للسيدات 2022، وفوز إسبانيا بكأس العالم للسيدات تحت 20 سنة 2022، وبطولة أمم أوروبا للسيدات تحت 17 سنة أربع مرات في تاريخها.

إن إضفاء الطابع الاحترافي على كرة القدم النسائية خارج أوروبا هو المفتاح لنموها عالميًا، ونستطيع أن نرى جليًا كيف أثبتت كرة القدم النسائية وجودها في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا رغم التحديات والفرص المحدودة، فمن المؤكد أن مشاركة المغرب كأول دولة عربية تتأهل لكأس العالم للسيدات 2023 قد ألهمت العديد من الفتيات في المنطقة وأبرزت بشكلٍ أكبر إمكانات كرة القدم النسائية غير المستغلة في العالم العربي.

ومع استمرار ازدهار كرة القدم النسائية عالميًا، تقف قطر على مفترق طريقٍ مهيأة لتحقيق نمو مماثل يشبه إلى حد كبير رحلتها الانتقالية بعد استضافة كأس العالم للرجال 2022. ومن خلال استغلال الزخم الذي ولّده هذا الحدث التاريخي، تمتلك قطر الموارد والحماس اللازميْن لتحفيز نفس الصعود الصاروخي في كرة القدم النسائية. ومن اللافت للنظر أن استاد المدينة التعليمية، الذي استضاف ثماني مباريات في كأس العالم، تم تخصيصه ك "موطن لكرة قدم السيدات في قطر"، ليدشّن بذلك نقطةً مركزيةً هامةً في عالم الرياضة النسائية.

تمامًا كما قد يُحدِث ترشيح جنوب أفريقيا واستضافتها المُحتملة لكأس العالم للسيدات 2027 ثورةً في عالم كرة القدم النسائية في جميع أنحاء القارة الأفريقية، كذلك تستطيع قطر تسخير بنيتها التحتية الغنية والحماس المتنامي تجاه الرياضة لتكون رائدةً في الشرق الأوسط. وصحيحٌ أن كرة القدم النسائية تسلكُ مسارًا إيجابيًا الآن، إلا أنه لا بد من إشراك النساء في جميع جوانب صنع القرار في المجال أيضًا. ومع وصول الاهتمام بكرة القدم النسائية أعلى مستوياته، يمكن أن تفكر قطر في الترشح لاستضافة بطولة كأس العالم للسيدات في المستقبل كاستراتيجية لجعل كرة القدم النسائية، وبالتالي الرياضة النسائية عمومًا، جزءًا أساسيًا من الواقع القطري والإقليمي، لتستكمل بذلك سلسلة النجاحات التي بدأت باستضافة بطولة كأس العالم لكرة القدم للرجال 2022 ودورة الألعاب الآسيوية 2030 القادمة.

الدكتورة كاميلا سوارت أريس تعمل أستاذة مشاركة ومديرة برنامج ماجستير العلوم في إدارة الأنشطة الرياضية والفعاليات في كلية العلوم والهندسة بجامعة حمد بن خليفة، والدكتور كريستوس أناجنوستوبولوس يعمل أستاذًا مساعدًا بالكلية ويشغل منصب مؤسس ورئيس مشارك لكرسي اليونسكو للحوكمة والمسؤولية الاجتماعية في الرياضة.

الأفكار الواردة في المقال تعبر عن رؤى المؤلفين ولا تعكس بالضرورة آراء الجامعة.