مكافحة حرائق الغابات بإعادة تأهيلها على مستوى العالم | جامعة حمد بن خليفة

مكافحة حرائق الغابات بإعادة تأهيلها على مستوى العالم

10 نوفمبر 2019

مكافحة حرائق الغابات بإعادة تأهيلها على مستوى العالم

دقت موجة الحرائق الأخيرة، التي اجتاحت غابات الأمازون وأجزاء أخرى من الغابات المنتشرة حول العالم، جرس الإنذار مجددًا، وذكَّرتنا في الوقت المناسب بالعواقب الكارثية المحتملة لتغير المناخ والتدهور البيئي. وفي الوضع الراهن، تغطي الغابات 30% من مساحة كوكبنا مع امتداد غابات الأمازون المطيرة على مساحة أكثر من 5 مليون كيلو متر مربع. ولكن "التحالف غير المقدس" بين إزالة الغابات والحرائق الخارجة عن السيطرة يمكن أن يؤدي إلى اختفاء الغابات المطيرة خلال المائة عام المقبلة.   

وفي بعض أنحاء العالم، لا سيَّما في أستراليا وروسيا، تحدث حرائق الأشجار والغابات في كثيرٍ من الأحيان بشكلٍ طبيعيٍ عندما تسود الظروف الجوية الحارة والجافة للغاية. وتحدث العديد من الحرائق كذلك بفعل البرق ومصادر الاشتعال الأخرى. ولكن حرائق الغابات أصبحت تحدث بوتيرة أكبر خلال السنوات الأخيرة نظرًا للظروف الجوية الأدفأ على غير العادة. وأفاد باحثون أن كندا شهدت مؤخرًا أكبر معدل انتشار لحرائق الغابات في غضون خمس سنوات، ولم يُعرَف بعد حجم الدمار الذي لحق بالغابات الشمالية الشاسعة في البلاد.

وفي منطقة أخرى من العالم، طلبت لبنان مساعدة المجتمع الدولي في مكافحة المئات من حرائق الغابات التي اندلعت في بداية شهر أكتوبر. ونظرًا للرياح القوية وموجة الحر الشديد، انتشرت تلك الحرائق بسرعة إلى الأحياء المجاورة، وصُنِّفت بأنها أسوأ حرائق تجتاح منطقة الشرق الأوسط لعدة عقود.

وتتعدد صور الآثار السلبية لحرائق الغابات على جودة الهواء وصحة الإنسان، حيث تصدر هذه الحرائق كميات هائلة من جزيئات الكربون الأسود، والزئبق، والمواد الكيميائية المكونة للأوزون، والمركبات العضوية المتطايرة القادرة على التسبب في حدوث تلوث شديد للهواء. وكثيرًا ما يشعر الناس بهذه الآثار السلبية في أنحاء بعيدة عن مناطق اندلاع تلك الحرائق، ولا سيَّما العواقب الخطيرة للمراكز السكانية الكبرى. وقد تسببت الموجة الأخيرة من حرائق الغابات التي اندلعت في إندونيسيا في انبعاث ضباب سام بمنطقة جنوب شرق آسيا، وهو ما أجبر السلطات في تلك المنطقة على إغلاق المدارس والمطارات بهدف الحد من التعرض لتلك الانبعاثات السامة على المدى القصير، وتقليل احتمالات التعرض لالتهابات الجهاز التنفسي من جراء هذه الانبعاثات.   

ولحرائق الغابات عواقب خطيرة على التنوع البيولوجي، لا سيَّما على الحياة النباتية في الغابات. ففي الوقت الراهن، تستحوذ الغابات المطيرة على نسبة 50% من حصة التنوع البيولوجي في العالم، ويمكن لحرائق الغابات تغيير هذا الوضع جذريًا. وتعتمد قوة الأضرار التي تلحق بالبيئة على عدة عوامل من بينها مدة الحرائق وخطورتها، ونوع التربة، ومساحة المنطقة التي تتعرض للحرائق، وهطول الأمطار في أعقاب اندلاع الحرائق.        

إذا، كيف تؤثر حرائق الغابات على مناخنا؟ تتركز الإجابة في طريقتين، حيث تمتص الأشجار كمية كبيرة من الكربون وتخزنها. وتزيل الأشجار الموجودة على كوكبنا ما يقرب من ثلث كمية الكربون المنبعث من الأنشطة البشرية من الغلاف الجوي. وبناءً عليه، يعني تراجع عدد الغابات الموسمية انبعاث كميات أكبر من الغازات الدفيئة مثل غاز ثاني أكسيد الكربون في غلافنا الجوي. ويعجل هذا بمفرده من تفاقم مشكلة الاحتباس الحراري. 

وبالإضافة إلى ذلك، تضخ حرائق الغابات كمية هائلة من غاز ثاني أكسيد الكربون إلى الغلاف الجوي، وهو ما يؤثر على المناخ على الصعيدين الإقليمي والعالمي. وتشير التقديرات إلى أن حرائق غابات الأمازون الأخيرة قد تسببت في ضخ حوالي 140 مليون طن من غاز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، وهو رقم يعادل تقريبًا الانبعاثات الصادرة من 30 مليون سيارة خلال عام كامل. ويمثل ذلك انتكاسة هائلة للجهود العالمية الرامية للحد من انبعاثات الكربون بحلول عام 2030 وفقًا لاتفاقية باريس.

وقد تسببت حرائق غابات الأمازون الأخيرة في إلحاق أضرار بالغة بآلاف الكيلو مترات من الغابات الاستوائية. ولكن، هل ألحقت تلك الحرائق أضرارًا حقيقيةً بمناخنا وبيئتنا؟ وهل فات الأوان بالفعل للتعامل مع هذه الكارثة؟ ليس تمامًا. فعلى المدى القصير، يمكن أن تساعدنا التكنولوجيا المتطورة في صياغة استراتيجيات للتكيف مع هذه الكارثة. وتشتمل تلك الاستراتيجيات على وضع نموذج متوسط النطاق لجودة الهواء وأنظمة للرصد الجوي قادرة على رصد حرائق الغابات، وتحليلها، وتحديد تأثيرها على جودة الهواء والصحة.  

ولا شك في أن اتخاذ المزيد من التدابير طويلة الأجل سيحتاج إلى تخصيص استثمارات ضخمة والحصول على دعم عالمي واسع النطاق. وتشير دراسة حديثة نشرت في دورية العلوم إلى أن إعادة التأهيل الضخمة للغابات الاستوائية يمكن أن يساعد في إعادة امتصاص غاز ثاني أكسيد الكربون وتخفيف خطر التغير المناخي الضار. وذكر مؤلفو الدراسة أن هناك مجال لتغطية مساحة 3.4 مليون ميل مربع بالأشجار حول العالم، وأفادوا بأن البرازيل، وإندونيسيا، والهند، ومدغشقر، وكولومبيا من الدول الرئيسية المرشحة للقيام بهذا الدور التصحيحي. 

ويعتمد تنفيذ هذا المشروع التأهيلي واسع النطاق للغابات على العديد من العوامل الاجتماعية، والبيئية، والاقتصادية. ولكن تغيير وضع الغابات قادر على تخزين ما يعادل 25% من العبء الكربوني الجوي الحالي لكوكبنا، وهو سببٌ كافٍ لمكافحة حرائق الغابات بالمزيد من عمليات إعادة تأهيلها.    


نبذة عن الكاتب

يشغل الدكتور كريستوس فونتوكيس منصب قائد الفريق الفني ضمن فريق نمذجة البحوث الجوية بمعهد قطر لبحوث البيئة والطاقة، الذي يعمل تحت مظلة جامعة حمد بن خليفة. وقد حصل الدكتور كريستوس على درجة الدكتوراه من معهد جورجيا للتكنولوجيا بالولايات المتحدة الأمريكية، وعمل بجامعة باتراس في اليونان، ومعهد قبرص للأبحاث.

ملاحظة:
هذا المقال مقدَّم من إدارة الاتصال بجامعة حمد بن خليفة نيابةً عن الكاتب. الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب، ولا تعكس بالضرورة الموقف الرسمي للجامعة.