بين المبدأ والممارسة: نهج متعدد الأوجه لأخلاقيات البيولوجيا الإسلامية | جامعة حمد بن خليفة

بين المبدأ والممارسة: نهج متعدد الأوجه لأخلاقيات البيولوجيا الإسلامية

05 مايو 2019

Between Principle and Practice: A Multifaceted Approach to Islamic Bioethics

في مجال طب الجينوم سريع التطور، يشجع أستاذ بكلية الدراسات الإسلامية في جامعة حمد بن خليفة على تبني نهج متعدد التخصصات في التعامل مع المسائل الأخلاقية المعقدة من قبيل: في أي مرحلة يُسمح بالإجهاض؟ وما حدود تقديم خدمات الرعاية في نهاية العمر؟ وهل الفحص الجيني مبرر بشكلٍ غير مشروط؟ 

هذه الأسئلة الصعبة وغيرها الكثير تُشَكِلْ جزءًا من نقاشاتٍ متواصلة، ولكنها حرجة، بشأن اللغز الأخلاقي عند تقاطعه مع الممارسة الطبية والبحوث الطبية الحيوية. وبالنسبة للعديد من المسلمين الذين يسعون للحصول على إجابات عن تلك الأسئلة المُلِّحة في جميع أنحاء العالم، يكون إلحاح الحصول على تلك الإجابات ملموسًا تقريبًا مثل أهمية التقدم في المجال الطبي نفسه.  

وقال الدكتور محمد غالي، أستاذ الدراسات الإسلامية وأخلاقيات الطب الحيوي في مركزدراسات التشريع الإسلامي والأخلاق بكلية الدراسات الإسلامية في جامعة حمد بن خليفة: "دأب كلٌ من علماء الدين الإسلامي وعلماء الطب الحيوي على مناقشة هذه القضايا بطريقة مؤسسية أكثر تنظيمًا منذ بداية عقد الثمانينيات من القرن الماضي."

وأضاف: "ولكن حتى منذ ذلك الحين، لا يزال هناك الكثير من العمل الذي يجب أن نؤديه في المستقبل القريب والبعيد للانتقال من مجرد إصدار الفتاوى بشأن موضوعات معينة إلى تطوير خطاب إسلامي شامل حول أخلاقيات الطب الحيوي." 

وتجدر الإشارة إلى أن رؤى الدكتور غالي مذكورة في كتابه المنشور مؤخرًا بعنوان "الأخلاقيات ومسألة الجينوم"، الذي يتناول مجموعة واسعة من القضايا الأخلاقية في مجال علم الجينوم سريع التطور. ويُمَثِل الكتاب تتويجًا للمساهمات متداخلة التخصصات التي تسلط الضوء على موضوعات متنوعة ولكنها مترابطة، ويشير إلى أن الاجتهاد الجماعي (المنطق المستقل) يمكن أن يتوافق بشكلٍ جيدٍ مع محاولات العلماء المسلمين وعلماء الحيوي الرامية لتحسين فهم القضايا المرتبطة بعلم الجينوم. ويقدم الكتاب آراء قيِّمة حول كيف يمكن أن يقود علم الجينوم المسلمين إلى إعادة النظر في تصورهم للطبيعة البشرية، وكيف يمكن أن يسير الخطاب الأخلاقي الإسلامي المتعلق بعلم الجينوم بالتوازي مع المناقشات الدائرة بعيدًا عن التقاليد الإسلامية. وقد أصبح الكتاب، الذي يُعدُ الأول من نوعه في العالم، متاحًا للقراء عبر خدمة الوصول المفتوح مؤخرًا. 

الدكتور غالي

وعبر سعيه للتوصل إلى إجابات على بعض من أسئلة الحياة المحيرة، يعتقد الدكتور غالي أن القيم الأساسية قد ترسخت منذ أمدٍ بعيدٍ في المصادر العقائدية الإسلامية.  

يقول الدكتور غالي: "المصدران الأساسيان للتشريع في الإسلام، وهما القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، لا يزالان يمثلان نقطة البداية لأي استفسار أو منطق أخلاقي. وعندما يتعلق الأمر بالمسائل الأخلاقية الحيوية، يؤدي هذان المصدران دور المرجع الأخلاقي الشامل. ومن أجل تطوير وجهة نظر أخلاقية حول مسألة أخلاقية حيوية محددة، فإن الأمر يتطلب بشكلٍ إضافي القيام بدراسة نقدية معقدة ومتعددة الطبقات، أو ما يعرف في الإسلام بمصطلح الاجتهاد."   

وعبر القيام بذلك، يعتقد الدكتور غالي أن العلاقة الإجمالية بين الممارسات الإسلامية والطب الحديث هي علاقة تكميلية وليست غير متوافقة. وضرب الدكتور غالي مثالًا على ذلك بذكر قضية زواج الأقارب، وهي عادة تسمح بها المعايير الإسلامية، ولكن الخبراء الطبيين يبدون تخوفهم منها.  

ويوضح الدكتور غالي قائلًا: "جنح العديد من العلماء المسلمين إلى النظر لزواج الأقارب على أنه جائز عمومًا بسبب عدم وجود نصوص شرعية تحظره، ولكن الممارسين يشددون على أن هذا النوع من الزواج يمكن أن يؤدي إلى إنجاب أطفال يعانون من أمراضٍ وراثيةٍ، وهو ما يُشَكِل مخاطر صحية كبيرة. وهذا هو السبب وراء اشتراط العديد من الدول الإسلامية إجراء فحوصات وراثية في مرحلة ما قبل الزواج لكي يتمكن الآباء المحتملون من التعرف على إمكانية وجود مخاطر مسبقة تنطوي على هذا الزواج من عدمه." 
ويُترجم هذا الأمر إلى وجود إجماع أوسع على أن الالتحاق بالثورة الوراثية لم يعد يُمثِل خيارًا، ولكن يجب النظر إليه باعتباره واجبًا حتميًا على المسلمين، سواءٌ كانوا علماءً أو من صناع السياسات.

الكتاب

واختتم الدكتور غالي بقوله: "بحلول نهاية العام الحالي، ستكون دولة قطر قد أطلقت أكبر مشروع جينوم وطني، وستحذو دول أخرى في المنطقة حذوها بكل تأكيد. ويقف الخطاب الأخلاقي الحيوي الإسلامي حاليًا على حافة تطورٍ جديدٍ آخر، حيث سيكون هناك تركيز خاص على المشروعات الوطنية، وكيفية إدارة شراكاتها العلمية، ونتائجها، بطرق متوافقة إلى حدٍ كبيرٍ مع الأخلاقيات الإسلامية." 
 
ويحتفظ برنامج قطر جينوم، وهو البرنامج الأول والوحيد في قطر المرتكز على السكان ويهدف إلى تعزيز الطب الدقيق، بعلاقة وثيقة مع الخطاب الأخلاقي الحيوي الإسلامي. ولا يزال مؤتمر القمة العالمي للابتكار في الرعاية الصحية (ويش)، الذي يُشَكِل مجتمعًا عالميًا للعاملين في مجال الرعاية الصحية ويتخذ من قطر مقرًا له، يُمَثِل منصةً مهمةً لتبادل الأفكار والآراء بخصوص القضايا الإسلامية. وبالإضافة إلى ذلك، يساهم الصندوق القطري لرعاية البحث العلمي في هذه الجهود عبر رعاية العديد من المبادرات التي تساعد في تحقيق فهم أفضل للأخلاقيات الحيوية الإسلامية بشكلٍ دائمٍ.    

واعتبارًا من خريف 2019، ستقدم جامعة حمد بن خليفة للمرة الأولى برنامج ماجستير الآداب في الأخلاقيات الإسلامية التطبيقية. وقد صُمِم هذا البرنامج، الذي يتميز بطبيعته المتخصصة للغاية، بهدف تزويد الطلاب بالمهارات اللازمة لاستكشاف المواقف الأخلاقية إزاء المعضلات الشائكة في مجال الطب الحيوي من وجهة نظر التقاليد الثقافية والدينية الإسلامية وإقرارها.  

للمزيد من المعلومات حول مركز دراسات التشريع الإسلامي والأخلاق، يرجى زيارة www.cilecenter.org. وللتعرف على المزيد من المعلومات عن كلية الدراسات الإسلامية، يرجى زيارة cis.hbku.edu.qa. ولتقديم طلب للالتحاق ببرنامج ماجستير الآداب في الأخلاقيات الإسلامية التطبيقية، يرجى زيارة: admissions.hbku.edu.qa