تتشابك العلاقة بين الطاقة والمياه والبيئة بدرجة كبيرة للغاية. ونحن هنا في قطر قد أصبحنا أكثر عرضة من أي وقت مضى لتأثير ظاهرة تغيّر المناخ والطقس، حيث تفرض البيئة الصحراوية القاسية تحديات خاصة على هذه المنطقة. لذلك نتحمل مسؤولية استثنائية بشأن معالجة موضوع الاستدامة، التي تؤثر بدرجة كبيرة على رفاهية وسبل عيش المجتمعات في قطر ودول مجلس التعاون الخليجي، والمناطق الصحراوية الأخرى في جميع أنحاء العالم.
وقد باتت الأضواء العالمية مسلطة على دولة قطر على مدار السنوات الماضية، بعد اختيارها لاستضافة بطولة كأس العالم لكرة القدم 2022. بالإضافة إلى ذلك، فإن الحصار الذي فرضته الدول المجاورة والذي بدأ في 2017، كان يعني أن الأمن الغذائي قد أصبح قضية ملحة، ومن الأهمية بمكان تضمينها في مقاربة علاقة الترابط هذه، وصولاً إلى الاستدامة.
ونظرًا لشح الموارد المائية التقليدية، تُعتبر قطر واحدة من أكثر البلدان التي تعاني من نقص المياه في العالم. فموارد المياه السطحية تكاد تكون منعدمة، وموارد المياه الجوفية ضاربة إلى الملوحة بشكل أساسي، ويجري استخراجها بشكل مفرط، ويصعب إعادة تعبئة الخزانات الجوفية. وكلها عوامل لا يمكن أن نتوقع منها على الإطلاق أن تلبي احتياجات عدد السكان الآخذ في الازدياد. ومع ذلك، من خلال الاستثمار الاستراتيجي المكثف في استخدام موارد المياه غير التقليدية، وعلى الأخص تحلية مياه البحر لتلبية الاحتياجات البلدية والحكومية والتجارية، وتحلية المياه الجوفية قليلة الملوحة لتلبية الاحتياجات الزراعية، تمكنت قطر من تأمين الإمدادات اللازمة من المياه الآمنة لجميع المقيمين على أراضيها. بالإضافة إلى ذلك، عززت البلاد بشكل كبير من أمنها الغذائي الطبيعي اعتبارًا من عام 2017.
من جهة أخرى، تتضمن بعض مبادرات الاستدامة الأكثر مدعاة للإعجاب، والتي طرحت في قطر على مدار العقد الماضي، تنفيذ مشاريع عملاقة مصممة لحماية الدولة في المستقبل. ففي مجال الطاقة، تهدف محطة "سراج" للطاقة الشمسية الكهروضوئية بقدرة 800 ميجاواط، إلى دعم إنتاج الكهرباء باستخدام الطاقة النظيفة المتجددة. وفي مجال المياه، صُمم مشروع الخزانات الضخمة وأحدث محطات تحلية المياه، لضمان الامداد بالمياه الآمنة للسكان لأكثر من أسبوع في حالة حدوث أي كارثة كبرى –لا سمح الله- مع الحفاظ على البيئة البحرية التي يُعتمد عليها. وفي مجال البيئة، تشمل قائمة المشاريع تنفيذ المحميات الطبيعية والبحرية لحماية التنوع البيولوجي، وخطط طموحة لزراعة عدد كبير من الأشجار في قطر. وقد شهد قطاع الأمن الغذائي تغييرات مع الانتقال من الإنتاج الغذائي المحلي المحدود للغاية إلى استراتيجية أمن غذائي شاملة، تستهدف تحقيق الاكتفاء الذاتي بنسبة 100٪ في العديد من المنتجات، بما في ذلك اللحوم والدواجن ومنتجات الألبان والعديد من الفواكه والخضراوات، حيث يعتمد الأمن الغذائي بالطبع كليًا على الاستدامة في إمدادات المياه والطاقة، مما يجعل هذه المجالات ترتبط ببعضها ارتباطًا وثيقًا.
ونظرًا لكون العلاقة بين الطاقة والمياه والبيئة تمثل جانبًا مهمًا من جوانب الاستدامة، فإن أوجه التعاون على المستوى الإقليمي والعالمي مهمة لحشد المصادر والاستفادة من أفضل العقول في هذا المجال لمواجهة تلك التحديات. والتزامًا منه بإيجاد الحلول للتحديات التي تواجه علاقة الترابط هذه، نظم معهد قطر لبحوث البيئة والطاقة واحدة من أهم فعالياته وهو المؤتمر الدولي لعلاقة الترابط المستدامة بين الطاقة والمياه والبيئة في المناخات الصحراوية 2021، الذي عُقد مؤخرًا، وشارك فيه أكثر من 400 باحث وممثل عن جهات معنية من جميع أنحاء العالم. وشملت فعاليات المؤتمر أكثر من 170 حلقة نقاشية، وعروض تقديمية شفهية وعروض ملصقات، بالإضافة إلى بناء شبكات وعلاقات واسعة عبر القنوات المرئية والافتراضية، حيث ركزت جميع فعاليات المؤتمر على الجوانب المتداخلة لعلاقة الترابط بين الطاقة والمياه والبيئة في المناخ الصحراوي.
ففي حين تتمتع قطر بموارد كبيرة يمكن تخصيصها لإجراء البحوث في البيئة الصحراوية ودراسة تحدياتها، فإن العديد من المناطق التي تعاني من أكبر نقص في المياه في العالم ما تزال أقل تطورًا وازدهارًا. لذلك، تقع على عاتقنا مسؤولية مساعدة المناطق الجافة في العالم في إجراء البحوث التي يمكن أن تساعد في ضمان الأمن المائي والغذائي هناك. ويشمل ذلك البحوث المكثفة التي تُجرى في جامعة حمد بن خليفة، ومعهد قطر لبحوث البيئة والطاقة، وفي كيانات أخرى تابعة لمؤسسة قطر، وبالتأكيد من خلال علاقات التعاون بين الجهات المعنية في قطر ومثيلتها على الصعيد العالمي.